يشهد العالم اليوم مرحلة تحوّل غير مسبوقة تفرض علينا فهمًا جديدًا للواقع الدولي من أبعاده الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. ففي يونيو 2024، كتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز أن البشرية تعيش “أعظم نقطة تحوّل في التاريخ”، مع بداية ثورة الذكاء الاصطناعي التي ستغيّر كل جوانب الحياة البشرية — من العمل والتعليم إلى التجارة، والابتكار، والحروب، وحتى الجريمة ومكافحتها.
يشير هذا إلى أن العالم بحاجة ماسة إلى قيادة تمتلك وعيًا بالتحديات والفرص التي تفرضها هذه الثورة التكنولوجية.

لقد أصبح فهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات المدمّرة في النظام الدولي ضرورة حتمية، إذ بات الفضاء السيبراني أحد أهم ميادين النشاط بالنسبة للحكومات، والمؤسسات العامة، والشركات الخاصة، والمجتمع المدني، والأفراد.
وتقود الشركات التكنولوجية الكبرى، خاصة الأمريكية والصينية، عصر الرقمنة العالمي، إذ تحوّلت قوتها الاقتصادية الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج السلع والخدمات إلى نفوذ جيوسياسي جعلها فاعلين أساسيين في النظام الدولي.

يؤثر الذكاء الاصطناعي بعمق في قطاعات رئيسية مثل النقل، والمصارف، والتعليم، والصحة، الأمر الذي غيّر البنى الاقتصادية والمالية والتجارية التقليدية، بل امتد تأثيره إلى الأنظمة السياسية نفسها. فقد أصبحت الحملات القائمة على المعلومات المضلّلة، وتزوير العمليات الانتخابية، وحتى إسقاط الحكومات أو تغييرها، تُدار باستخدام الذكاء الاصطناعي وأدواته.

في عالم يتغير بسرعة الذكاء الاصطناعي، لم تعد الدبلوماسية كما كانت بل أصبحت رقمية، ذكية، ومؤثرة أكثر من أي وقت مضى : الماجستير المهني في القانون السيبراني وقانون الذكاء الاصطناعي

النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين

يتسم النظام الدولي الحالي بدرجة عالية من عدم اليقين بشأن النظام القائم واتجاهه المستقبلي.
إلى جانب ظهور الشركات التكنولوجية العملاقة كلاعبين جدد، ازدادت المنافسة بين الدول الكبرى — ولا سيما الولايات المتحدة، وجمهورية الصين الشعبية، والهند، إضافة إلى الاتحاد الروسي الذي يمتلك قوة نووية مؤثرة وقدرة على الضغط في الساحة الدولية، رغم محدودية قوته الاقتصادية.

تتجلى هذه الدينامية في تحالفات جديدة مثل التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية، وفي تسارع التحولات في توازن القوى الدولية، نتيجةً للنمو السريع لقوة بعض الدول وتزايد الترابط بينها.
وبات فهم العلاقات الدولية أكثر تعقيدًا في ظل المنافسة الحادة بين القوى الكبرى سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، حيث تسعى كل دولة إلى إعادة تشكيل النظامين الدولي والإقليمي بما يخدم مصالحها الخاصة، بينما يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا جوهريًا في هذا المسار.

القيم الدولية تحت التحدي

يواجه النظام الدولي القائم على قيم الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والاحترام المتبادل — والذي شكّل أساس الاستقرار والازدهار في القرن العشرين — تحديات متزايدة.
تسعى بعض القوى لتغيير الوضع القائم أحاديًا، مستخدمةً المعلومات المضللة، والتطرف السياسي أو العنيف، والقوة العسكرية أو الإكراه، وغالبًا بمساندة أدوات الذكاء الاصطناعي في توجيه الرأي العام والتلاعب بالمعلومات.

تعرف على كيف تحوّل الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة تقنية إلى لاعب رئيسي يعيد رسم خريطة القوى في العلاقات الدولية : الماجستير المهني في القانون السيبراني وقانون الذكاء الاصطناعي

التكنولوجيا والاتصال الدبلوماسي

أحدثت التكنولوجيا ثورة في طرق التواصل وصنع القرار الدبلوماسي. فقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للحكومات والمنظمات الدولية التواصل بسرعة وفاعلية غير مسبوقة، كما منحت الدبلوماسيين القدرة على التفاعل المباشر مع الشعوب وإيصال رسائلهم على نطاق واسع.
في المقابل، أدى هذا التطور إلى اشتداد المنافسة الدولية على التفوق التكنولوجي، إذ أصبحت مجالات مثل إنترنت الأشياء، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والتقنية الكمية، أدوات رئيسية لزيادة النفوذ والسيطرة.

من الأمن السيبراني إلى الدبلوماسية الذكية، يفتح التحول الرقمي الباب لعصر جديد من المنافسة والتعاون الدولي : الماجستير المهني في القانون السيبراني وقانون الذكاء الاصطناعي

الأمن السيبراني والتحديات الجديدة

أفرزت هذه الثورة الرقمية تحديات دبلوماسية وأمنية جديدة، أبرزها الأمن السيبراني، حيث يمكن للهجمات الإلكترونية أن تؤثر بشدة في العلاقات بين الدول.
ولذلك، بات على الحكومات والمنظمات الدولية تطوير استراتيجيات قوية لحماية معلوماتها وضمان سلامة أنظمتها الرقمية، خصوصًا في ظل تصاعد الاعتماد على البنية التحتية الذكية في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

نحو انتقال رقمي عادل ومتوازن

تسعى دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي والاتحاد الأوروبي إلى قيادة انتقال رقمي عادل ومتوازن، يقوم على نموذج إنساني مسؤول للتحول الرقمي يحترم الخصوصية باعتبارها حقًا أساسيًا، ويعزز الاتصال الرقمي، ويحسّن الأمن السيبراني، ويهدف إلى سد الفجوات الرقمية وتشجيع الاستخدام الموثوق للذكاء الاصطناعي.

بين الفرص والتحديات، تقف الدول أمام مفترق طرق جديد يفرضه الذكاء الاصطناعي على السياسة والاقتصاد والأمن العالمي :الماجستير المهني في القانون السيبراني وقانون الذكاء الاصطناعي

وقد شدّد قمة الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (EU-CELAC) عام 2023 على أهمية التعاون لتحقيق هذه الأهداف، وعلى ضرورة بناء ثقة رقمية مشتركة في الاقتصاد العالمي.
كما أبرزت القمة دور أجندة الاستثمار العالمية بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية (EU-LAC Global Gateway) في سد الفجوات الاستثمارية وتحفيز التمويل العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة، وخاصة في مجال التحول الرقمي.

تابع معنا في الجزء الثاني من هذا المقال لتتعرف على مستقبل العلاقات الدولية في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وأمن العالم الجديد.

يتبع في الجزء الثاني: “التحول الرقمي في العلاقات الدولية: الذكاء الاصطناعي وأمن المستقبل العالمي”

للحصول على مزيد من الفائدة تواصل مع فريقنا الدعم بالعربية من خلال الدردشة المباشرة عبر واتساب بالضغط هنا